في الرابع من آذار/مارس 2020، أفاق سكان العاصمة المؤقتة عدن (جنوبي اليمن) على مشهد ينذر بوجود كارثة؛ مياه البحر تبدو خضراء اللون، وامتلأ الساحل بالأسماك النافقة، وكأنها صورة مأساوية لمجزرة جماعية لأطنان من الأسماك.
عبدالهادي عبدالله أحمد سالم؛ رئيس جمعية الصيادين بساحل مهران في عدن، يمارس مهنة الصيد منذ صغره، يتحدث عن الظاهرة قائلاً: "نفقت الكثير من الأسماك على طول ساحل أبين في عدن، وأغلب الأسماك كانت من نوع السردين، والسبب وراء نفوق الأسماك يعود إلى ظاهرة نمو الطحالب الخضراء بسبب تغير درجة حرارة مياه البحر، وتعرف محلياً باسم (الزهيقة)، إلا أن هذه الظاهرة ليست بجديدة على الصيادين؛ وهي موجودة من قبل وصول التحالف للسواحل اليمنية، وتحدث كل عام ولكن بنسب متفاوتة، وليست بالكمية الكبيرة كما حدثت في آذار/مارس 2020".
صور لظاهرة المد الأخضر بعد قذف الأمواج بالطحالب على ساحل جزيرة العمال بعدن (يوليو 2023) – تصوير: عوض علي عوض (رئيس جمعية صيادي فقم)
صور لظاهرة المد الأخضر بعد قذف الأمواج بالطحالب على ساحل فقم بعدن (يوليو 2023) – تصوير: عوض علي عوض (رئيس جمعية صيادي فقم)
فور نشر خبر نفوق الأسماك؛ سارعت جهات سياسية،
وناشطون إعلاميون،
على وسائل التواصل الاجتماعي، لتفسير أسبابها؛ فعللوا ذلك بنفايات سامة، كيميائية أو نووية، أُلقيت في البحر وأدت إلى حدوث هذه الظاهرة، وربط البعض مسؤولية إلقاء تلك المواد
بسفن التحالف العربي،
المناصر للحكومة الشرعية في اليمن.
هذا التعليل الأخير ليس وليد تلك اللحظة؛ وإنما تمّ تداوله قبل عام من ذلك؛ ففي السادس عشر من كانون أول/ديسمبر 2019، اتهم
مسؤول في وزارة الثروة السمكية،
التابعة لحكومة أنصار الله في صنعاء، سفن التحالف العربي بالعمل على تدمير البيئة البحرية؛ من خلال الإشراف على إلقاء مخلفات كيمائية في مياه البحر الأحمر. كما تحدثت
وكالة سبأ،
التابعة لحكومة صنعاء، عن تقرير لوزارة الثروة السمكية نُشر عام 2019؛ حملت فيه التحالف المسؤولية عن خسائر القطاع السمكي، جراء إلقاء الملوثات المختلفة في البيئة البحرية.
بحسب ورقة بحثية لجامعة أركنساس، نشرت في آب/أغسطس 2022: تغير المناخ يؤدي إلى زيادة وتيرة نفوق الأسماك بكميات كبيرة؛ وسيؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة محتملة على العالم، إذا لم يتمّ خفض انبعاثات الكربون العالمية بشكل كبير خلال القرن الحادي والعشرين.
ورغم تسبب التغير المناخي بحدوث هذه الظاهرة؛ إلا أن هناك أسباباً طبيعية أخرى تؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة بشكل ملفت، ومن ذلك: الملوثات والتي يُعدّ التسرب النفطي من أبرزها، والأمراض والفيروسات، ووصول الأسماك إلى مرحلة معينة من عمرها، فتقوم بعملية الإباضة ثمّ تنفق؛ كما يحدث لأسماك السلمون والسردين وغيرها.
أحمد باغويطة، استشاري في القطاع السمكي بمنظمة براغما، يتحدث عن ظاهرة نفوق الأسماك قائلاً: "ظاهرة نفوق الأسماك تحدث لأسباب طبيعية أو بشرية، فمن الأسباب الطبيعية انتشار مرض ما في مياه البحر، والازدهار الطحلبي مثل المد الأحمر، وقد يصاحب ذلك ازدهار طحالب سامة". ويضيف باغويطة: "ومن الأسباب الطبيعية المؤدية إلى نفوق الأسماك؛ التغير المفاجئ في درجات الحرارة، فعند تعرض بعض الكائنات البحرية بتيارات باردة، يؤدي ذلك إلى عدم تأقلم تلك الكائنات على هذا التغير المفاجئ، متسبباً في نفوقها، وكذلك اختلاف ملوحة المياه المفاجئ، كتدفق السيول الكثيفة إلى البحر، ويؤثر ذلك في بعض الكائنات التي لا تتحمل التغير المفاجئ في درجة الملوحة".
لا تتحدث السلطة اليمنية الشرعية عن جميع حالات النفوق؛ إلا في الحالات التي يكون فيها النفوق لافتاً أو تناولتها وسائل الإعلام، ومن أبرز الحالات:
التاريخ الذي وقع فيه النفوق | المدينة التي وقع فيها النفوق | حالات النفوق |
---|---|---|
آيار/مايو 2019 | المكلا- ساحل الستين | الارتفاع المفاجئ في درجات الحرارة وانخفاض الأكسجين |
آذار/مارس 2020 | عدن | انتشار كثيف للطحالب الخضراء |
نيسان/أبريل 2021 | ساحل فوه (الستين) مدينة المكلا حضرموت | اختلال في درجة حرارة المياه |
آذار/مارس 2021 | عدن- ساحل أبين | انخفاض في مستويات درجة حرارة مياه البحر مع فترة التغيرات الموسمية |
التاريخ الذي وقع فيه النفوق | المدينة التي وقع فيها النفوق | حالات النفوق |
---|---|---|
تموز/يوليو 2020 | الحديدة | الصيد العشوائي والجائر من قبل الصيادين باستخدام شباك ممنوعة |
حزيران/يونيو 2022 | عدن | بقاء الأسماك فترة طويلة في محالق الصيادين |
أيّار/مايو 2023 | المهرة | استخدام وسائل الحوي (الشرطوانات) الممنوعة |
لم يرصد معدا التقرير أي تصريحات حكومية تتحدث عن حالات نفوق الأسماك، بسبب تلوث من نوع ما، خلال الفترة المحددة لهذا التقرير.
التغير في درجة حرارة المياه، وظاهرة المد الأخضر؛ أبرز سببين لنفوق الأسماك حسب التصريحات الحكومية.
وفق دراسة علمية نشرتها مجلة "بيولوجيا الأسماك"، يؤدي الانخفاض السريع في درجة حرارة الماء إلى عدد من العواقب الفسيولوجية والسلوكية واللياقة البدنية للأسماك، يطلق عليها "صدمة البرد"، ويحدث إجهاد صدمة البرد عندما تتأقلم السمكة مع درجة حرارة مياه معينة، أو نطاق معين من درجات الحرارة، وتتعرض بعد ذلك لانخفاض سريع في درجة الحرارة؛ ما يؤدي إلى سلسلة من الاستجابات الفسيولوجية والسلوكية، وفي بعض الحالات تؤدي إلى الموت.
يحدث ذلك عندما تطغى ظاهرة تعرف بـ "المد الأخضر"، وهي ظاهرة بيئية ناجمة عن تجمع كبير للطحالب الخضراء، وانتشارها في ظل ظروف بيئية معينة، وتحدث في كثير من سواحل العالم.
دراسة حول الأضرار البيئية الناجمة عن المد الأخضر في البحر الأصفر بالصين؛ وثّقت التغييرات الأبرز في المؤشرات البيئية، المتمثلة في زيادة الرقم الهيدروجيني لمياه البحر، وانخفاض معدل تركيز الأكسجين، وزيادة وفرة البكتيريا، وقد يؤثر نقص الأكسجة والتحمض، المترتب على ذلك، في النظام البيئي البحري بأكمله.
رصد معدا التقرير 13 تصريحاً لسلطات صنعاء، تتحدث عن كون سفن التحالف مسؤولة عن نفوق الأسماك في السواحل اليمنية، أبرزها:
تاريخ التصريح | التصريح |
---|---|
آذار/مارس 2020 | التحالف يقوم من خلال بوارجه باستخدام مواد كيميائية وبيولوجية، وإلقاء نفايات سامة وملوثة في شواطئ اليمن والمياه الإقليمية اليمنية، محولة مياه البحر للون الأخضر |
تموز/يوليو 2021 | إفراغ سفن التحالف مواد سامة في المياه اليمنية. |
أيلول/سبتمبر 2021 | إطلاق بحارة أجانب في حضرموت، واتهامهم بإلقاء مواد سامة في البحر |
كانون أول/ديسمبر 2021 | قيام التحالف بتدمير الشعب المرجانية، وتلويث البيئة البحرية بالمواد السامة(). |
تموز/يوليو 2022 | إلقاء التحالف مواد سامة في مياه البحر الأحمر() |
آب/أغسطس 2022 | التصريح بنهب الثروات السمكية اليمنية، كما أوردوا ذكر إلقاء التحالف بمواد سامة في البحر متسببة بنفوق الأسماك |
آب/أغسطس 2022 | اتهام سفن التحالف بإفراغ نفاياتها السامة في مياه خليج عدن |
أيّار/مايو 2023 | إدانة إقدام بواخر التحالف على تلويث مياه خليج عدن |
حزيران/يونيو 2023 | إدانة مساعي العدوان لتحويل اليمن إلى مكب لنفاياتهم السامة() |
من خلال ما تمّ رصده من حالات لنفوق الأسماك؛ يلاحظ أن جل تلك الحالات حدثت في السواحل اليمنية، التي تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية، باستثناء حالتين وقعتا في مدينة الحديدة، مع ذلك، قامت السلطة في صنعاء بتفسير أسباب النفوق تلك بإلقاء سفن التحالف لمواد سامة في السواحل اليمنية الخارجة عن سيطرتها أصلاً.
في حزيران/يونيو 2022، حدث نفوق للأسماك في ساحل الخوخة بالحديدة، الواقعة تحت سلطة الحوثيين؛ فتضاربت المصادر التابعة للحوثيين في تفسير الظاهرة فموقع
"
26 أيلول/سبتمبر
"
الحكومي بصنعاء؛ فسر بأن السبب وراء ذلك؛ إلقاء سفن التحالف لمواد سامة في البحر، بينما عزت وزارة الثروة السمكية بصنعاء السبب إلى خطأ الصيادين الذين احتفظوا بالأسماك فترة طويلة لبيعها كطعم حي لصيادي التونة()، هذا التناقض في تفسير سبب النفوق يؤكد أن سلطات صنعاء لا تعتمد الفحص المخبري في تفسير ظواهر النفوق.
تشير الدلائل والمؤشرات إلى أن ظاهرة نفوق الأسماك في اليمن حدثت لأسباب طبيعية؛ إلا أن الدوافع السياسية تسعى لاستغلال هذه الظاهرة في إطار الصراع الدائر في اليمن، بين الحكومة الشرعية وأنصار الله (الحوثيين).
تم إنجاز هذا التقرير كمشروع تخرج من دبلوم أريج لتدقيق المعلومات من الشبكة العربية لمدققي المعلومات (AFCN) ضمن مشروع دليل، بدعم من الاتحاد الأوروبي وبالتعاون مع مؤسستي سايرين و جوسا.