
كيف نحارب التضليل خلال الانتخابات؟ نصائح لمدققي/ات الحقائق في العراق
بحر جاسم
مع اقتراب موعد الانتخابات العراقيّة التي تمّ تحديدها من قبل المفوضيّة العليا المستقلة للانتخابات في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، يواجه مدققو/ات المعلومات الكثير من التحديات، أبرزها آليّة وكيفيّة البحث والتحقق عن جميع المعلومات والأخبار التي تنشر من قبل جميع الجهات ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة. يختلف التضليل من جهة إلى أخرى، فالأخبار والمعلومات المنشورة عن طريق الحملات المنظمة من قبل الجهات ذات العلاقة المباشرة، تتمّ باستخدام أشكال متعددة وطرق متنوعة لإقناع الرأي العام وتحييده لمصالح الأحزاب السياسيّة بصورة عامة أو مرشحي/ات الحزب بصورة خاصة. ويأتي سبب هذا التضليل ضمن السباق الانتخابي ومحاولة النيل والتشويه بسمعة الطرف الآخر باستخدام البيانات الرسميّة المزوّرة وغيرها لضمان كسب الجمهور بشكل أوسع، أو الدفع بالخصوم السياسيين إلى الانسحاب من السباق الانتخابي لمحاولة كسب جمهور المنسحبين.
أما الجهات ذات العلاقة غير المباشرة فهم الأفراد غير المرتبطين بشكل مباشر بحزب ما، وإنما يهاجمون الأطراف السياسيّة باستخدام الأخبار المضللة بناءً على قناعة شخصيّة وفق منهج وفكر وعقيدة ثابتة. ومن أبرز وسائل التضليل هي الوسائل التقنيّة، عن طريق فبركة الأحداث وتزييفها أو تغيير واقتصاص وإضافة بعض المعلومات الكاذبة إلى حدث ما، حيث تكون نصف المعلومة حقيقيّة لإضافة صبغة من الحقيقة، والنصف الآخر كاذب ما بين السطور لإيهام الرأي العام بحقيقة أخرى.
تركز هذه المدونة على تقديم النصائح لمدققي/ات الحقائق في العراق خلال موسم الانتخابات، لأهمية ذلك في المساهمة بإزالة الارباك والتشويش الناتج عن الأخبار المضللة، ويؤثر سلباً على قرارات الناخبين/ات.
في البداية يجب أن يتعرف مدقق/ة الحقائق على أنواع الأخبار المضللة أو غير الدقيقة. تصنيف الخبر المضلل وإيضاح إلى أي قسم يندرج، يُعطي انطباعاً عن قوّة معرفة المدقق، ما يؤثر على انطباع المتلقي، وبالتالي يتمّ كسبه للميل إلى الحقيقة. ذلك يؤكد أيضاً أنّ نتيجة التحقيق ليست كلاماً قد كُتب اعتباطياً أو ترويجاً أو استهدافاً في محاولة من المدقق للتأثير على الناخبين، سواء كانت نتيجة التحقيق في صف المُحقق أو ضده.
التضليل المتعمد – Disinformation:
معلومات يتمّ إنشاؤها عمداً بهدف إلحاق الضرر بشخص، أو مجموعة اجتماعيّة، أو منظمة، أو دولة ما.
ومثال على التضليل المتعمد، هو الخبر الذي تم نشرهُ على مواقع التواصل الاجتماعي عن توقعات شبكة ABC NEWS الأميركيّة عن أن “أحد التحالفات برئاسة إحدى الشخصيّات السياسيّة العراقيّة سيحصد أعلى أصوات الناخبين، وحظوظه كبيرة في تشكيل الحكومة المقبلة”، ولكن بعد التحقق من الخبر وجدنا أن شبكة ABC لم تذكر ذلك في أيّ تقرير من تقاريرها عن الانتخابات العراقيّة.
من هنا يستنتج مدقق/ة الحقائق أن الأشخاص الذين نشروا هذا الخبر يعرفون أن لا أساس له من الصحة ولا وجود له، أي بمعنى أن الخبر لا يحتوي على جزئيّة حقيقيّة، وكل ما كُتب هو محتوى مضلل ورغم ذلك تعمدوا نشرها، لذلك يصنف هذا الخبر على أنه تضليل متعمد.
التضليل غير المتعمد – Misinformation:
هي معلومات خاطئة أيضاً، إلا أنها تختلف عن سابقتها بكونها غير متعمدة، فلم يتعمد ناشرها إلحاق ضرر ما.
ومثال التضليل غير المتعمد هو ما نشرته قناة (بي بي سي ترندينغ) لصورة دعاية انتخابيّة مفبركة. أبدت مقدمة البرنامج استغراباً من النص الذي كتب على الدعاية الانتخابيّة، وهو: “أقسم أني رشحت نفسي بطلب في المنام من فاطمة الزهراء عليها السلام”. وبعد التحقق من الصورة المنشورة للدعاية الانتخابيّة تبيّن أنها مفبركة، وقد أضيفت هذه العبارة على الدعاية الأصليّة.
من هنا يستنتج مدقق/ة الحقائق أن الصورة التي تداولتها القناة في برنامجها موجودة في الأساس، وهي الدعاية الانتخابية للمرشحة، وأن عرضها كان بنية إبراز ما هو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن القناة هنا وقعت في خطأ نشر الدعاية المفبركة التي تمّ تداولها على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم بحثها عن الدعاية الأصليّة، لذلك يصنّف هذا الخبر على أنه تضليل غير متعمد، لأن جزءا من الخبر صحيح وهو الدعاية الأصليّة من دون العبارة.
المعلومات الضارة أو الخبيثة – Malinformation:
هذه المعلومات حقيقية في الأصل، ولكن يتمّ مشاركتها بهدف إلحاق الضرر، وغالباً عن طريق نقل معلومات خاصة إلى المجال العام، مثل نقل المعلومات الشخصيّة أو الأسرار أو الصور الخاصة، وهذه المعلومات يمكن أن تكون مقاطع فيديو أو صوراً وليست مجرد نصوص.
لا يمكن إعطاء مثال في هذه النقطة كونها معلومات خاصة ولا يجب تناقلها، لذلك يجب على مدقق/ة الحقائق عدم التطرق لعرض مثال حيّ عن هذا النوع من التضليل والاكتفاء بإيصال الفكرة وتوعية وتنبيه الجمهور حول حساسيّة هذا النوع من المعلومات المضللة، وعدم التفاعل معها وما هي النتائج السلبية التي يمكن أن تترتب في حال انتشارها، وإيعاز اللجوء إلى التبليغ بشكل فردي للمساعدة في التخلص من المعلومات الحقيقيّة الحساسة، التي تمّ نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف إلحاق الضرر بالضحية.
بعد توضيح كيفية تصنيف أنواع الأخبار غير الدقيقة، يجب أن يكون مدقق/ة الحقائق على دراية بالتقنيات الأساسيّة للتحقق من الآليّات المستخدمة للفبركة وبالأخص خلال فترة الانتخابات.
المعرفة الرقميّة والتقنيّة هي من أساسيّات تدقيق الحقائق لمجابهة الفبركة في العصر الحالي. التحقيقات الاستقصائيّة سابقاً، كانت تتمّ عن طريق الوصول إلى المصادر الأوليّة والثانويّة، والحصول على ملفات غير متاحة للعامة، ومقابلة شهود عيان، لجمعها في إطار تحقيق استقصائي وتنفيذه خلال فترة غير قصيرة من الزمن. أما في العصر الحالي، فيتمّ مجابهة المعلومات غير الدقيقة المنتشرة عبر استعمال آليّات رقميّة عديدة مع عدم الاستغناء عن الطريقة الكلاسيكيّة.
نصائح حول مواجهة الأخبار المضللة خلال فترة الانتخابات:
قُبيل فترة الانتخابات دائماً ما يتم فبركة البيانات الرسمية، سواء لاستهداف شخصيات معينة أو استهداف المؤسسات بشكل عام وبصورة مكثفة ويكون الغرض منها هو النيل من مسؤول المؤسسة الذي يمثل جهة حزبية.
- الطريقة التي يتمّ من خلالها التحقق من البيانات الرسميّة المتداولة:
- قم بمراجعة التاريخ. في بعض الأحيان، يقع المفبركون في فخ وضع تاريخ يصادف يوم عطلة رسميّة كالجمعة. مثال ١، ٢.
- يجب الشك في حال كان الكتاب من دون عدد وتاريخ. عادة في البيانات الرسميّة يكون العدد من مقاطع مطبوعة عدة، ويكتب المقطع الأخير بقلم الحبر أو الجاف والذي يمثل العدد الحقيقي للكتاب. مثال ١
- تأكد من صياغة نص الكتاب، حيث يقع أغلب المفبركين بخطأ الصياغة والأخطاء الإملائيّة والمطبعيّة، ما يعني أنّ البيان مرّ من دون تدقيق. مثال ١
- توقيع الشخص على الكتاب قد يكون مختلفا بشكل جذري عن توقيعة على البيانات الرسميّة الأخرى، لذلك قم بمقارنة التوقيع مع بيانات رسميّة سابقة.
- لاحظ الخط المستخدم في البيان المشكوك بصحته مع بيانات ثانية صادرة عن ذات الجهة. مثال ١، ٢
- قم بالتحقق فيما إذا كان يحتوي مضمون البيان على مقومات المخاطبات الرسميّة. على سبيل المثال التحيّة والمضمون وعبارة إنهاء الكتاب، قارنها مع بيانات ثانية من ذات الجهة المصدرة. مثال ١،
- قم بمقارنة رقم الصادر وتاريخ البيان مع أرقام صادرة من ذات الجهة بتاريخ قريب، وقارن الأرقام إذا كانت متقاربة أم بعيدة جداً عن بعضها، حيث أن المفبركين عادةً ما يضعون الرقم اعتباطاً. مثال ١
- قم بالبحث عن البيان بواسطة محرك البحث العكسي. مثال ١
- ابحث عن المصدر جيداً قبل مشاركة أي محتوى:
قم بتحديد مصدر المؤلف. وفقاً لعملك كمدقق/ة حقائق ستكون لديك قاعدة بيانات تحليليّة كاملة عن الصفحات والقنوات والمواقع. إن تحديد مصدر المؤلف سيكون مفيداً جداً لمعرفة إن كانت صحيحة، أو أن المحتوى الصادر قابل للشك.
- استخدم التطبيقات مفتوحة المصدر:
هذه التطبيقات ستساعد مدقق/ة الحقائق على الوصول للحقيقة في كثير من الأحيان. هذه التطبيقات والبرامج مجانية ومتوفرة ويمكن استخدامها بشكل سلس. فيما يلي بعض هذه المواقع: (fotoforensics, 29a.ch, Satellites.pro, citizenevidence, marinetraffic, T4P apps, yandex, tineye, baidu, flightradar24)
- ابحث عن الدلائل داخل المحتوى:
- دائما انظر الى المحتوى المعروض سواء كان صورة أو فيديو بنظرة مدقق/ة حقائق، وهذا يعني أنه في الصور أو الفيديوهات المستخدمة يكون هناك -في كثير من الأحيان- خيط يقود إلى إكمال التحقيق. فمثلاً إذا كان الموسم في الصيف والصور المنشورة تحتوي على أشخاص يرتدون ملابس شتوية أو بالعكس. لاحظ في هذا الفيديو الذي تمّ نشره مؤخراً عن حرق الدعاية الانتخابيّة الخاصة بالمرشحة حنان الفتلاوي، وكانت التساؤلات حول ما إذا كان الفيديو جديد أم قديم، بمجرد التمعن فيه يمكن تحليل الآتي:
1- هل حنان الفتلاوي مرشحة بقائمة واحدة مع نوري المالكي؟
2- صورة الدعاية الانتخابيّة لنوري المالكي بالأبيض والأسود، وهو ما يتمّ استخدامه في انتخابات 2021.
3-بعد الوصول لخيط من خلال متابعة التفاصيل المذكورة، يمكن بعدها تقليل نطاق البحث في الدعايات الانتخابيّة لسنة 2021، وستكون النتيجة أن حنان الفتلاوي هي مرشحة مع نوري المالكي بقائمة واحدة. ومن خلال البحث البسيط يتوصل مدقق/ة الحقائق الى صورة الدعاية الانتخابية الحديثة، وهي مطابقة تماماً لما تم حرقه. فإذاً هذا الفيديو يعود للانتخابات الحالية لعام 2021.
- استمع إلى اللغة المستعملة إذا كان المحتوى فيديو أو تحقق من الفيديو الأصلي لسماع الصوت.
- انظر إلى أشكال المتواجدين فمن الممكن أن تشير ملامح الأشخاص إلى بلدان ثانية.
- انظر إلى أرقام السيارات، أو أرقام الهواتف، أو أسماء الأبنية، أو الماركات المطبوعة على الملابس، للدلالة على إمكانية الاستدلال على هذه المعلومات جغرافياً.
- احصل على جميع الملفات والمصادر الرسميّة التي يمكن عن طريقها تفنيد أو تأكيد الأخبار الخاصة بالانتخابات:
– على سبيل المثال في هذا المنشور يدعي صاحب الصفحة أن المرشح الانتخابي هو مرشح مستقل كما يذكر في الدعاية الانتخابية الخاصة به. في هذه الحالة يكون الاحتكام إلى الملفات الرسميّة التي يجب الحصول عليها من قبل مدقق/ة الحقائق للتأكد من المعلومة.
-في المثال الحالي يمكن تحميل قائمة أسماء المرشحين/ات وقوائمهم/ن الانتخابيّة من موقع المفوضيّة، ومقارنة الأسماء ليجد المدقق/ة أن المرشح فعلاً هو ضمن حزب انتخابي في التسلسل 2731 من القائمة، وهذا ما يؤكد صحة المنشور بأن المرشح هو بالفعل ضمن قائمة انتخابية، وليس كما يدعي في دعاياته الانتخابية بأنهُ مستقل.
- تأكد من وجود الأسماء المذكورة في قوائم المرشحين/ات المصادق عليهم/ن من قبل الجهات الرسميّة.
أما فيما يخص استهداف العمليّة الانتخابيّة بصورة عامة والتشويش على الناخبين/ات عبر الانتقاص من العمليّة الانتخابيّة بمعلومات مضللة ومزيفة، ومحاولة الحد من المشاركة الجماهيريّة، فيتمّ بطرق عدة منها إيهام المواطنين/ات أن:
- المشاركة الضعيفة في الانتخابات تؤدي إلى تدخل الأمم المتحدة وإلغاء نتائج الاقتراع.
- لا فائدة من إجراء العمليّة الانتخابيّة، فالنتيجة محسومة من البداية والمناصب قد تمّ توزيعها بالفعل.
أما الطرق الأخرى فتتمّ عبر خلق فكرة عند الناخب بأن العمليّة الانتخابيّة هي مدعاة للسخريّة، عبر الاستخفاف بعقول الناخبين/ات من خلال استهداف المرشحين/ات. فعادةً ما يتمّ نشر أخبار عن مرشحين/ات لا علاقة لهم/ن بالانتخابات أو من دول الجوار، لذلك على مدقق/ة الحقائق أن يتحقق من وجود الاسم في القوائم الرسميّة كخطوة أوليّة.
في هذه الأمثلة ١، ٢، ٣، ٤. جميع الأسماء التي ذكرت لا وجود لها في القوائم الرسميّة، وبعدها كخطوة ثانية يقوم مدقق/ة الحقائق بالبحث عن الأشخاص الذي ذكروا على أنهم مرشحين/ات كما في الأمثلة السابقة، للوصول الى نتائج كاملة وعرضها للجمهور على أنّه لا علاقة لهم/ن بالانتخابات الحاليّة أو أنهم/ن ليسوا/ن من العراق.
في النهاية، على مدقق/ة الحقائق أن يدرك من خلال عمله أن أيّ خبر منشور على أي وسيلة من دون ذكر المصدر الصريح من قبل الناشر، هو بكل بساطة يتضمن معلومات قابلة للشك. وهذا ينطبق أيضاً على مدقق/ة الحقائق نفسه، الذي يجب عليه ذكر كل المصادر التي استخدمها لنفي أو تأكيد صحة المعلومات، وذلك لضمان كسب ثقة الجمهور، ووضع الحجة أمام أنظار المتابعين بأن هذه الحقائق التي تمّ التوصل إليها لم تكن بناءً على توجهات وتحليلات مدقق/ة الحقائق الشخصيّة، ولكنها أدلة صريحة تدعم التحقيق والغرض منها كشف الحقيقة فقط لا غير.